عند مصب وادي زيز، حيث تترامى إحدى كبرى الواحات في الشرق المغربي، يتوافد آلاف السياح كل صيف على قرية مرزوكة، طمعاً في التداوي بالرمال، ورغبة في التعرف على نمط عيش ما تبقى من القبائل الرحل في المنطقة.
هؤلاء الرحل المنتمون إلى القبائل الأمازيغية، تمدنوا منذ عقود، واستوطنوا منطقتي تافيلالت ودرعة، المعروفتين ككبريات واحات المغرب، وكذلك الطريق التجاري الشهير إلى مدينة تمبكتو في مالي الذي كان يقطعه التجار في 52 يوماً.
وظلت القبائل متمسكة بثقافة الترحال، حتى مجيء الاستعمار الفرنسي، حين ظهرت الأنشطة المنجمية، ونشأت معها مراكز حضرية جديدة، شكلت عوامل جذب واستقرار، عززها ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر.
وفي مكان غير بعيد عن حدود الجزائر، اختار جزء من هؤلاء الرحل الاستقرار في قرية مرزوكة الصغيرة، المعروفة بكثبانها الرملية المترامية على عشرات الكيلومترات، فتغير نمط عيشهم من الترحال والتجارة، إلى السياحة، مع حفاظهم على معظم تقاليدهم المميزة.
ويقول رئيس «جمعية منعشي السياحة الصحراوية» في قرية مرزوكة، عبد السلام صادوق: «نعتمد اليوم على السياحة الصحية خلال الصيف، حيث يأتي السياح من مختلف أنحاء العالم من أجل التداوي بالرمال وشرب حليب النوق»، مضيفاً أن «القبائل «توفر للزوار سياحة استكشافية، من أجل التعرف على ثقافة الرحل، عن طريق رحلات على الجمال والمبيت في الخيام ومشاهدة غروب الشمس وشروقها، إضافة إلى سياحة المغامرات من خلال المشاركة في سباقات يتم تنظيمها في الصحراء».
وعلى امتداد التلال وكثبان الرمل المتشكلة والمتحولة باستمرار، يتوافد المئات من السياح من مختلف الأعمار، ابتداء من نهاية حزيران حتى مطلع أيلول من كل عام، حين تكون درجات الحرارة مؤاتية للاستفادة من الرمال.
وغالباً ما يشرف أبناء المنطقة من قبائل الرحل القديمة، على عملية دفن الراغبين في التداوي بحرارة الرمال، حيث يعدون المئات من الحفر عند مشرق كل يوم، وتترك ساعات تحت حرارة الشمس كي تسخن جيداً، قبل أن يدفن الراغبون في العلاج أجسادهم في داخلها.
وغالبا ما تدوم عملية الدفن من خمس دقائق الى عشر، مع الشرب المنتظم للمياه الدافئة، قبل التوجه الى الخيمة من أجل الراحة والتعرق وشرب شاي الأعشاب، ويلي ذلك الاستحمام، ويتم تكرار العملية ثلاثة أيام على الأقل حتى يكتمل العلاج.
ويقول متقاعد مغربي مقيم في فرنسا، يدعى محمد ياسين: «نصحني الناس بالمجيء إلى مرزوكة نظرا لمناخها النقي وحرارتها المفيدة للصحة، خاصة مع الآلام التي نعاني منها نتيجة ساعات العمل الطويلة».
ويقول علي، الذي يربي الجمال قرب الفنادق المبنية على الطريقة التقليدية، إن «الناس يأتون إلى مرزوكة من كل أنحاء المغرب والعالم، من أجل حمام الرمل وشرب الشاي التقليدي، وكذلك حليب النوق الجيد لمكافحة داء السكري وأمراض أخرى».
وتتيح كثبان مرزوكة الممتدة على طول 22 كيلومترا وعرض خمسة كيلومترات، التأمل في تبدل ألوان الرمال بحسب تغير ضوء النهار، خاصة عند التربع على قمة تلك الكثبان، التي تعد العليا في المغرب، والتي يصل طول بعضها إلى 150 متراً.
ويجد أغلب قاصدي مرزوكة ضالتهم في بساطة القرية، بعيداً عن صخب الحياة المعاصرة، وفي الموسيقى التقليدية، وكرم الضيافة، وعادات أخرى توارثها السكان عن أجدادهم منذ قرون مضت.
شاركنا رأيك وكن اول من يقوم بالتعليق :)[ 0 ]
إرسال تعليق